القائمة الرئيسية

الصفحات

 

 

فحول الشعر المعاصر (1)

 

شعراء العرب

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلقِ الله أجمعين..

أما بعد:

فلقد حاولتُ في هذه الوُرَيْقاتِ القلِيلاَتِ أن أضع بين يَدَيكَ _يا صاحبي حفظكَ الله_ أسماءَ تُلة من فحول وأباطرة الشعر في هذا العصر، اكتشفتهم وتعرفت عليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة من خلال رابطة الشعراء العرب على الفايسبوك، وسأرفِق مع كل شاعر منهم أبياتا من أجمل ما قرأتُ له _حسبَ ظني_ ومن عيون شعره.

 

ونبدأ بالشاعر الأول من بلد سوريا الأبية الشاعر "محمد البياسي" وهو أيضا مؤسس رابطة الشعراء العرب، وله ديوانين: الأول بعنوان "يا شام" والثاني أعتقد بعنوان "العشق الممنوع"، إن البياسي من أروع الشعراء الذين أعرف في هذا الزمان فإنّ في شعره خليطا رائعا بين متانة اللفظ وقوة المعنى، يكاد ينعدم له النظير وأيضا استطاع أن يمزج عبقريةَ الشعر القديم وحسن صنعته مع أناقة الشعر الحديث ورشاقته، وهذا الخليط الرائع بين القديم وبين الحديث ولد لنا شعرا منسابا ماتعا وممتعا في آنٍ واحد، ولتتأكد من صدق قولي اقرأ له ما يقول في قصيدة "يا شام" التي عنون بها ديوانه الأول:

 

ما عاد يعنيني، وقد حَكَمَ الهوى          أني أحبّكِ، ما هي الأسبابُ

مَنْ باتَ نشواناً فليس يهمهُ          مِنْ أي كَرْمٍ تُجْمَعُ الأعنابُ؟

مَنْ لي سواكِ أحبها وتحبني؟          ما بين قلبينا، فُديتِ، حِجابُ

منذ افترقنا والظنونُ وسادةٌ          والنائبات حمائلٌ وركابُ

 

وإذا أردتَ الغوص أكثر في بحر هذا العملاق الكبير فانظر لهذه القصيدة الأخّاذة والخلاّبة:

 

يا ناظرين إلى دمشقَ

تحسّروا ..

فلقيطُ كِسرى نال منها واجتنَى

.

في أرضنا يستنسر الخفّاش ..

والعبد الذليلُ

يريد أن يتفرعنا

.

اِسألْ فرنسا

كيف كان حمارُها في اللاذقية

قبل أن يتمدَّنـــا !!

.

هو نفسُه هو ذاكَ ذاكَ

ولو تبرّجَ بعد ذلك حيلةً !!

وتزيّنا !!

 

إن البياسي "تتراقص على لسانه الكلمات والأوصاف، ويتحدد الطبع فنياً في ميزات عدة منها صفاء اللغة وقرب مأخذها فتعبر عن الوجدان والمشاعر الأصيلة القريبة التي تتبادر إلى الذهن، ولا تسعف اللغة في هذه الحالة إلا من ملك ناصيتها، واختزل دلالتها، فيستطيع أن يطوعها بتلقائية، من غير تكلف ومن دون إسفاف أو تعقيد، ولغة البياسي من ذلك المعدن الصافي، أصيلة لم تفسدها العامية ولم تُغْرِب بها الجاهلية" وانظر إليه وهو يقول في قصيدة بعنوان "قلعة رومانية":

كان قلبي فاشرحي لي

كيف استطعتِ دخولَـهْ؟!

.

كيف من عينيكِ

اخترعتِ رسولًا؟

إنه الحبُّ لا أردُّ رسولَهْ

.

حبُّك الصعبُ بعدُ

ذوّب جسمي..

كيف يخفي هذا النحيلُ نحولَهْ؟

.

واسمُكِ الحلوُ

صار كلَّ كلامي

بعد إذْ كنتُ خائفًا أن أقولَــهْ

 

ونلاحظ مما ينشره البياسي على حسابه على "فيسبوك" أنه يُحبّ أن يُلبسَ شعرَه لباسَ القصيدة الحرة التي تعتمد على السطر الشعري، مع العلم أن قصائده كلها عمودية ولا تخرج عن أبحر الخليل، لكن ترتيب أسطرها مشابه للشعر الجديد، فأي شيء يقصده البياسي من هذا؟

 

وهذا عظيم آخر استطاع أن يجد لنفسه مكانا آمنا بين عباب الشعر وتلاطم الشعراء، إنه الشاعر السوري الأنيق محمد شودب، وحقيقةً لم يُثر أحد عَجَبي وإعجابي بقدر ما أثارني هو، وهو الشاب المبدع صاحب 19 سنة فقط، (وذلك يومَ كُتبت هذه الورقات سنة 2016) ويقول أشعاراً يعجز عنها منْ بلغوا منَ العمر عتيا، ولا أخفيكم سرا، فقد احترتُ وأنا أحاول أن أختار له بعض القصائد التي أعَرّفَهُ بها، فكل قصائده رائعة، لذلك سأضع بين أيديكم هذ القصيدة الخلاّبة بدورها والتي تمتاز بأسرار المجازات والتأويل، ومنها أيضا نستطيع أن نسبرَ أغوار ثقافة الشاعر محمد شودب الكثيفة:

 

أَمرُّ بِهِمْ ...

إذَا مَا البَحْرُ

هَاجَ وصَاحَ يَا مُوْسَى

.

تُعَدِّدُهُمْ ..

يَدُ الضَوضَاءِ

مَنْبُوذَاً ومَيْؤُوسَا

.

فَهم إِلْيَاذَةٌ فِي الرُّوحِ

أَو فِي الرُّوحِ أُودِيسَـا

.

أُدَثِّرُهُم ...

كَحضنِ أَبٍ

أَصِيرُ الآنَ قِدِّيْسَـا

 

وها هو شاعرنا الشاب مرة أخرى يطربنا بقصيدة سمّاها باسم "القصيدة النبوية" يشكو فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما صار إليه الوضع في مختلف أوطاننا العربية فيخاطب النبيّ شاكيا:

 

سَلامًا رسولَ اللهِ مِنْ دمعِ طفلةٍ

ومنْ دمعِ أُمٍّ حاصرتْها السَّلاسِلُ

..

سَلامًا رسولَ اللهِ

في كُلِّ لحظةٍ دُخانيَّةٍ تهوِي علينا القنابِلُ

..

سَلامًا منَ الأقصى إذا بِيعَ كُلُّهُ

على أَعيُنِ الأشهادِ والكُلُّ سافِلُ

..

سلامًا على الدُّنيا

سلامًا على الَّذي يرى قَمحَهُ يُجدي

فَتنأى المَناجِلُ

..

سَنبكِي دُموعًا مُطفآتٍ وأَنجُمًا

ويضْحكُ فينَا وجهُنا المُتضائِلُ

..

مَتَى يَصْدُقُ التَّأويلُ ..

كَيفَ سَتَنتَهي عَزاءَاتُنا فِينَا ويَوأدُ قاتِلُ

..

سَلامًا حبيبَ اللهِ ..

مِن كُلِّ عاجِزٍ

عَنِ البَوحِ مِنْ نَوْحٍ جَنتْهُ الأرامِلُ

..

عَليكَ صلاةُ اللهِ فِي كُلِّ لَحظَةٍ

ومَا طارَ دوريٌّ وحَلَّقَ هادِلُ

..

فَأنْتَ زَمانُ الحقِّ فِيهِ دَنَتْ لَنا

مُلوكٌ وتيجانٌ وخَرَّتْ جَحافُلُ

 

ثم أمّا بعد فها هو شاعرنا يعلمنا درسا عنوانه السهلُ المُمتنع فنرى من خلال قصيدته التالية بساطةَ الألفاظ وسهولة السبك والترصيص، لكن إيجاد مثل هذا المعنى الغابر هو الأمر المُمْتَنِع والصعب:

 

أَلقَيتُ أَولَ جُملةٍ فِي الصَّمتِ

مَنْ يَدري؟

بِأنِّي لَن أَقولَ الثَّـانِـيه

.

أَنَـا مِن هُنَاكَ..

ولَم أجِدْ أَحداً هُناكَ..

سِوى التَّشَرُّدِ

في التِّلالِ الخَاويَـه

.

أَنَـا مِن هُنَاكَ..

ولا أرى فِي الأفْقِ إِلّا

أُمنيَاتِ الحَالمِينَ البَالِـيَه

.

فَتَّشْتُ عَن أُنْثَاي..

فِيَّ فَلَمْ أَجدْ ..

إلّا القَصِيدةَ والحُروفَ العَاريَه

.

ضَاجَعْتُ آخِرَ فِكْرَةٍ ...

فَوَجَدْتُني ..

أَنْهَيتُها فِي ظِلِّ أَوّلِ ثَانِـيَه

.

فِي الحُبِّ لِي حُبُّ الجَميعِ

وفِي دَمي

تَمشِي قَرابِينُ الأَحبِّةِ حَافِيَـه

 

التتمة في الجزء الثاني من هنا



 

```

تعليقات