القائمة الرئيسية

الصفحات



شعراء السيد رئيس البلدية





سمير بن الضو


حينَما سمعَتِ الشعراءُ بأنّ السيد رئيس بلدية المدينة قد آبَ من رحلة صيده، وفدتْ عليه لتَمْدَحَهُ وتنالَ من عطاياه، فعلمَ الرَّئيسُ أن الشعراء واقفونَ على باب بَلَدِيَّتِهِ، فأمرَ حاجبَهُ أن يُدخلهم عليه جميعا، فدخلوا وهو في قاعة الاجتماعات يعتلي عرْشَ كرسيِّهِ الكبيرِ الذي يتوسّط القاعة، فلما حضروا بين يديه قال: ما لديكم يا معشر الشعراء؟



فتقدَّم أوَّلُ شاعِرٍ وكانَ اسمه أبو فِجْلَة، فقال قصيدةً عصماء وصفَ فيها السيّدَ رئيسَ بلديةِ المدينةِ كما يكونُ أحسن الوصف، وتحدّث عن براعةِ الرئيس في القنص، وكيفَ أن سهمه إذا خرجَ من قوسه لم يُخطِئ أبدا، وانتهى أبو فِجْلَة من قصيدته والسيّدُ الرئيس طَرِبٌ لها فَرِحٌ بها، فرمى له بَوَرَقَتَيْنِ نَقدِيَّتَيْن، واحدةٌ من صُوَيْحِبَاتِ العيونِ الزُّرْق، والأخرى تَرْفُلُ في عباءَةٍ خضراءَ فاقِعٌ لونها تَسُرُّ الفقراء، فكادَ أبو فِجْلَةَ أن يُجَنَّ بها سرورا، ولمّا رأى أبو ريّال عَطِيَّةَ الرئيسِ السَنِيَّةَ طمع وأرادَ أن ينالَ منه مِنْحَةً هو أيضا، فابتدَرَ مَادِحًا كرمَ السيّدِ الرئيس.


وقال ما فيه وما ليسَ فيه لينالَ من عطيَّتِه، ويُصيبَ من خيره، وما أظنَّ أنّه يستحقُّ أغلبَ ما قال فيه أبو ريّال.


وحين سمع السيِّدُ رئيسُ البلديّة قصيدةَ أبي ريال نَهَضَ مُنتشيًا من كُرسيِّهِ ومشى بينَ الشعراء مختالا فخورًا كما لو أنه حرَّرَ القُدْسَ من بني الأصفر وأيادي بني قُرَيْظَةَ القَذِرَة، ثم قال: هكذا هكذا فَلْيَكُنِ الشِّعْرُ وإلاّ فلا لا.


ولم يبقَ في القاعَةِ إلاّ المُوَظَّفون والمُوَظَّفات وشاعِرٌ ثالثٌ لم يَقُلْ شيئا بعد، وكانَتْ تَظهر على ملامِحِ وجهه سِماتُ الغَضَبِ وعدمِ الرضا، فنظر إليه السيّدُ رئيسُ بلديةِ المدينةِ وقال: هيّا يا أبا العَوانس، قل ما عندَك وأطربنا بما لدَيْك، فقامَ أبو العوانسِ بينَ يَدَي الرّئيس كما كانَ يقِفُ الفرَزْدَقُ لعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، وقالَ في نفسه: "والله لأُخْزِيَنَّ ابن اللَّخْناءِ هذا بين أهلِ المدينة"، فَابْتَدَرَ مُرتَجِلا:


يا أَيُّها الرُّؤَساءُ يا غَرَرَهْ
ما أَنْتُمُ إلاَّ قَذًى وَخَرَهْ
...
اَلْخِزْيُ مِنْ أَفْعَالِكُمْ خَجِلٌ
وَالعُهْرُ صَرَّحَ أنَّكُمْ فَجَرَهْ
...
يَأْتِيكُمُ المَظْلُومُ مُشْتَكِيًا
تَبًّا فَمَا أَصْلَحْتُمُو ضَرَرَهْ
...
اللعنةُ الكبرى تُصَبُّ على
أذْقانكم يا أيُّها الفَجَرَة



فغضَبَ الرئيسُ منْ أبي العَوَانِسِ ومن شعره، وأمرَ حاجِبَهُ أن يَطْردَهُ شرَّ مَطْرَد، فَالْتَقَمَهُ حاجِبُ الرَّئيسِ وأعانهُ عليه المُوَظَّفون، فجرُّوهُ من رِجْلَيْهِ كما يَجُرُّ الباءُ الاسم، وخرجَ أبو العوانِسِ ذليلا من قاعةِ الاجتماعات، لكنَّهُ في أعْيُنِ أهْلِ المدينة لم يَكُنْ ذليلا، لأنّهُ لمْ يُداهِنْ ويُصانِعْ في أمورٍ كثيرة، بل كان أعظَمَ من ذَلِكَ الرئيسِ الوَقِحِ الأصلعِ السَّمينِ الأَكْرَش، لأنّهُ صدعَ بالحقّ، ولم يَخْشَ على نفسه، وقال ما لم يقدر غيرُهُ على قوله.


وصارَ أبو العوانِسِ ذَا صِيتٍ وشُهرةٍ واسعة، وتعلّمَ الناسُ منه الجهرَ بَكَلِمَةِ الحقِّ في أوجُهِ الفاسدين الظالمين، وأصبحَ أهل المدينَةِ كلَّما رأَوْا فاسدا قالوا له: أبو العوانسِ قادمٌ، فيتذكَّرُ خِزيَ السيِّدِ الرئيس فيخجل ويرتَدِع لوحده..


فيا ليتَنا كلُّنا أبو العوانِسِ..
ويا لعنة اللهِ صُبّي على السيِّدِ الرئيس..



تعليقات